قراءة في كتاب :(دراسات في الشعر العربي) للباحث الدكتور عباس علي الفحام
Ali Taher
يوليو 13, 2022
اخبار, الفعاليات العلمية, القلاب, مقالات
141 زيارة
د. باقر الكرباسي
أسعفني الوقت وأنا في سفرة سياحية قصيرة إلى إيران أن أقرأ ثلاثة كتب صدرت حديثاً , والكتاب الذي أقدمه للقارئ العزيز هنا هو (دراسات في الشعر العربي) للباحث الدكتور عباس علي الفحام التدريسي في جامعة الكوفة , صدر هذا الكتاب عن دار الرضوان للنشر والتوزيع ,عمّان / الأردن بطبعته الأولى ,بغلاف مجلد أنيق وحرف مقروء .
يتحدث الباحث الفحام في مقدمة الكتاب قائلاً : (وهذا الكتاب هو مجموعة بحوث أدبية علمية تناولت دراسة بعض ظواهر الأدب العربي من شعراء قدماء ومحدثين انتقيتهم على أساس ظاهرة ما تميزوا بها ,وقد آثرت جمعها ليضمها كتاب واحد)ص9, يحتوي الكتاب على مقدمة وبابين درس في الباب الأول ثلاثة فصول جعلها عن الشعر العربي القديم , ودرس أيضاً فصلين عن الشعر العربي الحديث في الباب الثاني , ففي الفصل الأول حلّل الدكتور الفحام غزل عنترة بن شداد بما فيه من عنف إذ يرى الباحث أنها ظاهرة تميز بها هذا الشاعر الفارس فيقول : ( وهو بعد أشعر الفرسان أكثر شعره الوصف والحماسة والفخر وبعضه في الغزل , ولكن قدره صادف أن يكون إلى جانب فروسيته عاشِقاً وَلِهاً بحب ابنة عمه عبلة , فكان أن اندمجت الخشونة بالنعومة والعنف بالحب , وامتزجت ألفاظهما معاً , فليس ثمة فاصل بينهما بشكل قلّ نظيره في تاريخ الأدب العربي )ص17.
ومن النتائج التي توصل إليها الباحث في تحليله النقدي : (ويمكن القول انّ الحواريات التي يبثها عنترة في قصائده أحياناً بينه وبين حصانه أو رمحه أو سيفه أو بشكل استفهامات بين أدوات القتل وبين محبوبته , يمكن عدّها لوناً آخر من ألوان التعبير لإثبات الذات أمام محبوبته)ص23, ينتقل الباحث بعد ذلك إلى موضوع ألفاظ العشق عند عنترة وكيف كان يلوي الشاعر هذه الألفاظ ويخرجها من رقتها المعهودة ليصبها في قالب من العنف والخشونة , ويعطي أمثلة كالخضاب بالحناء وأصوات الطرب ,ثم يتحول الباحث الفحام إلى تحليل ظاهرة أخرى في شعر عنترة تتمثل في إيغاله في صور العنف التي رسمها في صوره الشعرية , ويعطي أمثلة على ذلك كشرب الدماء وذكر الجماجم وتوظيف اللون للعنف واستقصاء صورة العنف ونواح النساء , وكان الباحث في تحليله النقدي لهذه الظاهرة عند عنترة يذكر الشواهد الشعرية في بحثه, أما الفصل الثاني والذي درس فيه الدكتور الفحام (المقدمة الطللية في شعر حسان بن ثابت بين الجاهلية والإسلام ) وفيه رصد المؤلف ظاهرة المقدمة الطللية عند حسان في الجاهلية وما حدث لها من تطور في العصر الإسلامي ,أي أنّ اسلوب الشاعر – كما يرى الباحث – في مقدماته الجاهلية يختلف كثيراً عن مقدماته الإسلامية ويرى أنّ حسان بن ثابت قبل الإسلام كان مادحا ومفتخراً مثل بقية الشعراء الذين طالما فخروا بأمجاد قبائلهم , وبعد عرض لبعض مدائحه ومنها للأمير الغساني توصل الباحث الفحام شارحا لبعض صفات اسلوب حسان في رسم مقدمات قصائده الجاهلية ,فيجملها : ولعه الشديد بالاسلوب الإنشائي الاستفهامي في استهلال قصائده , وكذلك دقته في تعيين المواضع إذ أنه كان حريصاً على الإكثار منها في مقدماته والاتياء بمواضع تشعر السامع معها أنه يحسن معرفتها , والأمر الآخر : إنّ مقدمات حسان بن ثابت قد خلت من وصف رحلات الصيد ومغامرات الطرائد , ثم ينتقل الباحث إلى اسلوب حسان في مقدماته الإسلامية يصل فيها إلى النتيجة الآتية بعد تفحصه لشعره حين دخوله الإسلام إذ يقول : (وصفوة القول إنّ المقدمة الطللية في الأشعار الإسلامية لحسان مرحلة متطورة فرضها الواقع الجديد للشعر العربي, أخفق في تمثيلها تارة ونجح في تجاوزها تارة أخرى)ص54.
وفي الفصل الثالث يبحث الدكتور الفحام (عناصر الفجاءة في نونية ابن زيدون), يؤكد الباحث في هذا البحث قائلاً : (ولابن زيدون ذائقة شعرية مميزة ولكن من بين كثير من قصائده تبدو نونيته شيئاً آخر فما الذي يجعل منها كذلك ؟ وبم اختصت من سمات ميزتها عن قصائده الكثيرة في العشق والهيام والحب ؟ ويتساءل الباحث هنا ويحاول أن يجد إجابة لتلك الأسئلة بدراسة تحليلية لنونيته , فقسم بحثه على محورين الأول : اختيار مفردة القافية والثاني : التراكيب ,ففي قضية القافية يرى أنّ اختيار حرف النون في مفردة القافية يزيد من ربط الأداء بالمضمون مؤكداً بأن الاشتقاق والطباق وألفاظ التعبير القرآني والبنية الصرفية لمفردة القافية وألفاظ الطبقة الأندلسية , ويرى أنّ ما تقدم من سمات جعلت نونية ابن زيدون مميزة بمسألة الفجاءة شارطاً بعدها فجائية التشخيص بالتركيب الاستعاري موضحاً ذلك بأمثلة شعرية من القصيدة نفسها .
وفي الباب الثاني دراستان هما (السخرية في شعر الجواهري ) و ( بواعث الخطاب الوطني في شعر الشيخ الوائلي )
أما الأولى فكانت البيت القصيد للكتاب …عارضاً فيها لقصيدتين ساخرتين للجواهري هما (طرطرا) و(شسع لنعلك), يقول الدكتور الفحام وهو يشرح شيئاً عن شخصية الجواهري : (في سخرية الجواهري بنيات متعارضة من مديح وهجاء وسخرية يصعب الفصل بينهما لأنها تبصر بقوة الفارق بين المثالي والواقعي , لذلك فالخطاب الساخر في شعره يكاد يشكل أرضية خفية لمعظم شعره الجاد وغير الجاد بحيث تتوارى خلف كلماته وعباراته التهكمات والتندرات في أكثر القصائد التزاماً)ص86, ويبدأ الباحث بتحليل قصيدة (طرطرا) حسب وسائل وتقنيات حددها المؤلف : أولها (استلهام التراث من حيث الإطار العام الذي بني عليه القصيدة أو من حيث المفردات الجزئية في بنية القصيدة)ص88, ومن التقنيات الأخرى في هذه القصيدة (علو النغم) يراها الباحث ثاني وسائل سمات القصيدة ويستمر الدكتور الفحام في تحليل القصيدة موضحاً البناء الموسيقي الوزني لها وهو مجزوء بحر الرجز وكثرة استعمال أنواع تفعيلة(مستفعلن) وكذلك تعمد الشاعر تكرار الحرف الانفجاري العالي النغمة 0الطاء)مستشهداً بمقاطع من القصيدة نفسها…
أما القصيدة الأخرى لشاعرنا الجواهري (شسع لنعلك), يروي لنا المؤلف الباعث على نظمها كما يذكر ذلك الشاعر الجواهري نفسه : (قبل ثلاث سنوات, كنت مسافراً على طائرة عراقية إلى براغ وعندما وزعت المضيفة علينا بعض الجرائد قرأت خبراً بارزاً عن نزال كلاي المرتقب آنذاك , فتناولت أقرب ورقة إلى يدي وكانت ورقة نشاف صغيرة وبدأت أكتب …)ص94,الدكتور الفحام يرى في تحليله لهذه القصيدة أن الجواهري وظّف التراث التاريخي والأدبي وكذلك ذكر الشاعر صوراً ضاحكة داخلية في قصيدته ذكر الباحث مقاطع منها, وينتهي المؤلف بالقول (إن الخطاب الساخر عند الجواهري تتداخل فيه بنيات متعارضة من الهجاء والمديح بحيث يصعب الفصل بينهما لأنه لا يريد مجرد السخرية وهو خطاب مبني على حسن توظيفه للتراث في مخاطبة العصر)ص98,أما الدراسة الثانية فكانت (بواعث الخطاب الوطني في شعر الوائلي) وقد أخذت هذه الدراسة صفحات كثيرة درس الباحث فيها الوائلي الشاعر والبيئة التي عاش فيها متأثراً بمجالسها وشعرائها وعلمائها بيئة مدينة النجف الأشرف المعروفة للعالم أجمع, ومن ثم بدأ الباحث يحلل هذه البواعث إذ رصد أولاً : الانتماء والولاء فكانت بغداد تعيش معه بنفس وطني وتشبث بالأرض فيذكر بغداد وأمجادها وترفها وحضارتها ورقتها دائماً في قصائده مستشهداً بقصيدته العينية المشهورة , والانتماء للوطن عند الشاعر انتماء للتاريخ وأمجاده, هكذا يرى الباحث الدكتور الفحام, والفرات مكان آخر يتغنى به الشاعر وهو انتماء وولاء للوطن أيضاً, والرصيد الثاني هو الشخصيات الوطنية والأدبية ويقسمها الباحث إلى :المرثيات و الاخوانيات , قال فيها الشاعر الوائلي قصائد يرثي بها تلك الشخصيات ويراسل في الأخرى شعراء وأصدقاء له كان فيها الجامع هو الوطن , والمشترك هو حب الأرض,والرصد الثالث كان : الغربة ويقسمها الباحث إلى غربة قسرية واختيارية نظم فيها قصائد كثيرة يذكر فيها الوطن والأرض والأسماء التاريخية التي تشير إلى العمق الحضاري للعراق – حسب تحليل الباحث – , أما الرصد الرابع جعله الباحث : رفض الأنظمة الاستبدادية والطائفية , فكان الشاعر الوائلي رافضاً للحكم العارفي موضحاً ذلك في قصيدة ألمح فيها إلى السياسة التمييزية لحكم عبد السلام عارف – حسب تحليل الدكتور الفحام – أما الحكم الصدامي فكان لشاعرنا الوائلي شعر كثير ضد هذه الطغمة الحاكمة , وكذلك كان لنبذ الطائفية حصة في شعره إذ كان ينتفض على دعاة الطائفية والتمييز المذهبي كلما توافر له منبر الشعر ,ص129…
وأخيراً كان بودي أن يكون عنوان الكتاب (ظواهر في الشعر العربي)دراسات تحليلية نقدية , لأن العنوان الذي حمله الكتاب تحمله كتب عدة , كتاب الدكتور الفحام نواة نقدية لباحث وشاعر عرف طريقه في البحث والتأليف …
Related